للوهلة الأولى التي تسمع فيها كلمة “تصميم Design” ربما سيخطر ببالك التصميم الجديد للأيفون ذو الحجم الأكبر بعض الشئ عن الإصدار السابق، أو شعار أحد الشركات الشهيرة، وربما أحد الملصقات والإعلانات الخارجية (Outdoors). أو الأشياء الثابتة الأكثر تقليدية من الأشياء السابقة، ربما هذا يعد تصميمًا، ولكن هذا ليس كل شئ. في بعض السطور القادمة، سأحاول أن أشارك معكم مجموعة من أهم المبادئ والمفاهيم التي يجب أن تعلمها كمصمم.
ولكن قبل أن تواصل القراءة، هذا المقال لن يُعلمك أبدًا كيف تتعامل مع برنامج ما، أو كيف تصمم بطريقة أفضل، ولا حتى تقنية جديدة للتعامل مع الطبقات في التصميم، فالتقينات والتكنولوجيا تتغير بشكل دوري وسريع جدًا، فمثلًا، إنترنت الأشياء إقتحم حياتنا، وأصبح لزامًا علينا التصميم لشاشات أصغر، وبأحجام أصغر وأصغر. هذا المقال سيوضح لك المبادئ الأساسية التي لا ولن تتغير، سيُعلمك كيف تتعلم أن تُصبح مصممًا بالمعني الحرفي للكلمة.
1- التصميم للبشر، وليس لحصد الجوائز
في الوقت الحالي، أغلب المٌصممين يهتمون بالمظهر العام للتصميم أو المنتج، كيف يبدو هذا اللون، هل هو مناسب أم سيكون الأخضر أفضل قليلًا، ماذا عن النافذة المنبثقة أعلى اليمين. والمشكلة ليست هنا، المشكلة الحقيقة في أن هذا ليس المغزي الأساسي للتصميم، التصميم الذي هو روح الأشياء وجوهرها، المغزي الحقيقي هو كيف سيؤثر على نفسية المستخدم وحياته، كيف ستكون تجربة المستخدم مع هذا التصميم، العديد من المميزات التي لا أعرف كيفية إستخدامها، هي بكل تأكيد بلا أي قيمة تُذكر.
التصميم الذي من شأنه أن يُغير حياة البشر هو التصميم المنشود. البشر هم محور أي تصميم فعّال وواضح. الحقيقة السابقة إذا أدركتها جيدًا، صدقني ستصنع عشرات بل مئات النماذج الأولية (Prototype) حتى تصل إلى أفضل نتيجة ممكنة، للبشر ولجمهورك بكل تأكيد وليس ما تراه أنت صوابًا.
تحكي مارجريت غولد، واحدة من أفضل المصممين والمتخصصين في تجارب الإستخدام في العالم والتي تعمل حاليًا كمديرة للمنتجات في شركة فيسبوك، عن تجربة إعادة تصميم زر “Like” والذي يراه قرابة 25 بليون مُستخدم يوميًا. تقول مارجريت أن عملية إعادة تصميم زر “Like” أو “أعجبني” كانت مُعقدة جدًا ومعاناة شديدة، حيث أن المُصمم الذي عمل على إعادة تصميم الزر إستغرق قرابة 280 ساعة عمل على مدى شهور في إعادة تصميم هذا الزر حتى يصبح بالشكل الموضح أدناه.
بإمعان التأمل في التجربة السابقة، ستجد أن الأمر غريب بعض الشئ، غريب جدًا ولا يصدق بطبيعة الحال، فالمصمم في الشهر الواحد، عددًا وعددًا من المواقع والصفحات، فتصميم الزر لا يستغرق دقائق معدودة. ولكن، حينما يتعلق الآمر بالتصميم للبشر، وبالأحرى الأعداد الكبيرة من المستخدمين، فسيكون الأمر مختلفًا تمامًا، فموقع مثل فيسبوك يستخدمه أكثر من سُدس البشرية !
كمصمم ستقع في إشكاليات كثيرة، بين التصميم للحصول على الجوائز، التصميم للإلهام،أو حتى التصميم للدخل الواسع، ولكنك لن تشعر بقيمة تأثيرك الحقيقة إلا إذا قمت بالتصميم للبشر، للبشر وفقط. لا تنظر للعالم على أنه سوق، بل مكان يعيش فيه بشر.
2- التصميم لتغيير الواقع، وإصلاح المشاكل
حينما وصل اللاجئين إلى اليونان، كان بعض منهم ينام في الخيام والبعض الآخر على الأرض وبلا مأوي، في الوقت الذي كُنا نتحسر عليهم، قامت شركة IKEA ومؤسسة Better Shelter بالعمل على تصميم بيوت مُتنقلة ذات قدرات عالية على تحمل جميع العوامل الجوية المُختلفة ومجهزة ببعض الإحتياجات الآدمية، وإرسالها إلى مُخيمات اللاجئين في اليونان. الأمر يبدو بسيطًا وسهلًا، ولكنه بإستخدام أدوات بسيطة إستطاعوا تصميم شئ جعلهم سُعداء، ويقول أحد المسئولين في IKEA “من واجبنا، أن نجعلهم يشعرون بالأمان دومًا لأن الخصوصية والأمن حق لكي آدمي”
تذكر المرة الأولي وأنت تتعلم قيادة السيّارة، تُمسك عجلة القيادة بيديك الإثنين وتنظر إلى كل شئ حولك على الطريق، السيارات الأخرى، الأضواء، الإشارات المرورية المُختلفة …الخ، وغير قادر على الإنصات للموسيقي.. وبمرور الوقت سوف ينتهي الأمر تدريجيًا، ستستطيع أن تسمع الموسيقى، وتتحدث مع صديقك في الهاتف، ولن تشغلك اللائحات والأشياء المُختلفة على الطريق بعد، ما الذي حدث؟ لقد إعتدت على هذا الفعل، فأصبح أسهل فأسهل بالنسبة لك، إنه مُصطلح يسمي الإعتياد أو Habituation.
يقول طوني فاضل (المُصمم العالمي بشركة Apple سابقًا، ومؤسس شركة Nest) “الإعتياد أمر ليس سئ بالنسبة للناس، ولكن المُصممين وظيفتهم الأساسية إدراك هذه التفاصيل، التفاصيل التي تُمكنهم من إحداث تغيير وإستغلال الفرص”
وأنه في عام 1902 في مدينة نيويورك، كان ماري أندرسون ذاهب في إحدى السيارات لزيارة ما، كان الجو باردًا والهواء رطب والأمطار غزيرة ولكن الجوء كان دافئ داخل السيارة، فتح السائق النافذة ليُنظف الزجاج الأمامي للسيارة حتى يتمكن من الرؤية بوضوح، فدخل الهواء والصقيع إلى داخل السيارة مما جعل الركاب يشعرون بالإستياء، ولكنه كان أمر معتاد، فمر بالسلام على الناس، ولكن ماري نظر للأمر بطريقة آخرى، كيف يُمكن للسائق أن ينظف الزجاج الأمامي للسيارة بدون أن يفتح النافذة، ثم أخذ بكراسة الرسم الخاصة بها، وبدأ يرسم أول ماسحة للزجاج الأمامي.
إيجاد الحلول للمشاكل المرئية للجميع هو أمر سهل، ولكن التحدي الحقيقي هي المشاكل الغير مرئية، المشاكل الموجودة في التفاصيل، والتي لن تصل إليها أبدًا قبل أن تتخلص من ظاهرة الإعتياد وتنظر إلى الأشياء من حولك بدقة أكثر ومرونة، ربما هناك فكرة أخرى لتسهيل إستخدام المنتج على العملاء، أو فكرة لحل مشكلة ما. فقط ركز على التفاصيل.
ربما يستطيع الواقع أن يفرض على الناس العاديين، ولكن بالنسبة للفئات الخاصة مثل المبتكرين والمصممين ورواد الأعمال، فالأمر مُختلف تمامًا لأنهم يفكرون بطريقة الأطفال، الأطفال الذين لا يريدون كل شئ أفضل وأسهل، دائمًا ما يسألون حول التفاصيل ولماذا؟ وكيف؟ ولما لا، بيكاسو يقول “أن كل طفل، فنان” ولكن المشكلة هنا كيف نحافظ على هذا الفنان الذي بداخلنا.
3- التصميم لجعل حياة الناس أفضل، وتعزيز قدراتهم
هناك أكثر من 100 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من آلام مزمنة، وهي حالات يصعب التغلب عليها في الحال من قبل الطبيب أو المريض. قامت شركة IDEO الرائدة في تصميم المنتجات وتجربة الإستخدام، بتصميم جهاز يسمي Quell لكي يساعد على تخفيف الألم. وهو عبارة عن شئ قابل للإرتداء أو Wearable، عملت الشركة على التصميم بالإستعانة بمجموعة من الذين يعانون من الآلام المزمنة، وبإستخدام نهج التصميم المُركز على المستخدم (Human-Centerd Design) حيث قامت بتصميم العديد من النماذج الأولية حتى وصلت الى الشكل النهائي الذي هو شريط أو رباط (Band) رياضي يتم لفه على القدم.
يقول José Colucci أحد المشاركين في تصميم المُنتج “نحن نريد أن نعطي المستهلك تجربة مثالية، الجهاز ليس مجرد جهاز طبي، بل سيصبح عنصر أساسي في حياة الأفراد، لا نريد أن يخفي المريض الجهاز لكي لا يراه أحد، بل يظهره ويقول أنه فخور بإرتداءه”
يقول David Kelley مؤسس شركة IDEO “التصميم يعني صناعة تأثير في هذا العالم، وليس تصميم طاولة أو مكتب، وأن المهمة الأساسية للمصمم هي معرفة المشكلة الحقيقة التي تستحق العمل عليها”
مثال آخر من مئات الأمثلة على توظيف التصميم، لخدمة الناس وتعزيز قدراتهم، هو مشروع Melon هو عبارة عن طوق (wearable) يتم إرتداءه على الرأس، مع تطبيق على الأيفون للمتابعة والتوجيه، يعمل التطبيق على تحويل الأنشطة الدماغية الغير مرئية إلى أنشطة مرئية يمكنك تتبعها وقياسها، ويساعدك التطبيق على زيادة تركيزك وإنتاجيتك عن طريق مراقبة الأنشطة وبناء تقرير حول أدائك. تطبيق بسيط، وفعال، وإستخدام للتصميم في تعزيز القدرات. الجدير بالذكر أن المشروع تم أيضًا بتوجيه من IDEO وتم تمويله بالكامل على منصة التمويل الجماعي Kickstarter.
دوغ ديتز، مصمم مبدع وذو حس هندسي مميز للغاية، يعمل بشركة GE، قام بتصميم مشروع يعمل بعلامة تجارية جديدة، وهو عبارة عن آلة تصوير بالرنين المغناطيسي، وبينما كان دوغ متحمسًا لرؤية مشروعة على أرض الواقع في أحد المستشفيات، رآى أحد الأطفال المرضى تبكي بشدة مع والديها وهي متجهة إلى آلة التصوير بالرنين المغناطيسي التي صممها دوغ، كان الخوف والذعر يبدو على الفتاة وأنها حقًا خائفة من هذه الماكينة، أصيب دوغ بخيبة الأمل وأدرك أنه عليه أن يحل هذه المشكلة.
إلتحق دوغ بدورة تدريبية في جامعة ستانفورد ليتعلم الطريقة الفعّالة لبناء وتصميم مشاريع مُركزة على المستخدمين وحتى يتمكن من جعل آلة الرنين المغناطيسي أكثر متعة، عززت هذه الدورة الثقة الإبداعية لدى دوغ، كان يدرك جيدًا أنه لن يستطيع تأمين المال لإعادة بناء الآلة من الصفر، ففكر بدلًا من ذلك في تغيير تجربة الإستخدام نفسها. إستطاع دوغ وفريق عمله أن يحولوا هذه الآلة إلى مغامرة قصصية رائعة، كأن الأطفال يلعبون لعبة مسلية للغاية، أحاط الماكينة بالعديد من الألوان وقام بتعديل بعض الأشكال، وطلاء الغرفة والأرض والحوائط وقاموا أيضًا بوضع سكريبت نصي يوضح للأخصائيين كيف يمكنهم قيادة الأطفال داخل هذه المغامرة وإتمام عملية التصوير. عمل عظيم، إعتمد فقط على ثقته الإبداعية.
الخلاصة:
المصمم المُبدع هو الذي اصطحب الثقة الإبداعية في كل أعماله، الذي يمزج بين الواقع والخيال بلمسة خاصة تُميزه، حينما يلتقي العلم والفن فهذا هو التصميم، ربما تُجيد بعض أدوات التصميم ولكنك لن تُصبح مُصممًا عظيمًا قبل أن تضع هذه المبادئ نُصب عينيك، الأمر منتهي ومحسوم. البشر هو محور التصميم.
صلاح الإمام
رائع يا أحمد دايماً مُميز ف اختيار المواضيع اللي بتطرحها للمستخدم.
ربنا يوفقك وينفع بيك دايماً.
احمد رجب
ربنا يبارك في عمرك يا صلاح، سعيد إنه عجبك والله يا كبيرنا 🙂
لميس سالمي
رائع جدا اشكرك على هذه المعلومات المميزة يا احمد ولكن اتمنى ان ارى مقال كهذا ولكن موجه ومخصص لتصميم المواقع والتطبيقات
بالتوفيق
احمد رجب
شكرًا جزيلًا أستاذه لميس، المقال كما أسلفت يتضمن شتى مناحي التصميم، ويندرج تحته تصميم الويب بشكل و بأخر وخصوصة تحسين تجارب الإستخدام، ولكن بإذن الله سأعمل على مقال مُوجه لمصممي الويب في أقرب فرصة، بالتوفيق.
Mostafa wahba
مميز يا احمد بارك الله فيك وفي كل طروحاتك العتيقة 🙂
أحمد فارس
ممتاز المقال، وبيوضح قيمة التصميم للمستخدم فعلاً
والامثلة المدرجة رائعة ومميزة فعلاً واول مرة اعرف قصة جهاز الرنين المغناطيسي
ابدعت يا احمد
meskine-abdelilah
مقالة رائعة هل يجب على المصمم إرضاء طرف أخر من أجل تصميم أو إعادة بناء الموقع كما ذكر أن المصمم المُبدع هو الذي اصطحب الثقة الإبداعية في كل أعماله ماذا لو كان عمل فرضي
amaal
ماشاء الله . كلام مفيد وجميل جداً
osman fagir
كلام رائع وجميل شكرا ليك ياجميل بارك الله فيك
رامي الكندي
اشكرك جدا على هذا الموضوع المميز <<
التصميم الجيد هو حل لمشكلة ما وابتكار يجعل من حياه الناس اسهل ..